أخبار العالمأخبار محلية

لؤي ابراهيم عثمان يكتب : الموت و القلق الوجودي

( التعايش مع الفناء و إعادة تعريف الزمن و الحياة )
الموت تلك اللحظة الغامضة التي تقف على حدود الوجود والعدم ، هو الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن إنكارها . ورغم بداهته ، يظل الموت أكثر ما يثير القلق الوجودي لدى الإنسان ، لا لأنه النهاية فحسب ، بل لأنه يحيلنا إلى سؤال جوهري : ما معنى أن نحيا ؟
التعايش مع حقيقة الموت تكمن في معرفة أن المشكلة ليست في الموت ذاته ، بل في وعينا به . فمنذ أن يبدأ الإنسان في إدراك أنه فانٍ ، تتغير نظرته إلى نفسه و إلى العالم . هذا الوعي يولَد خوفاً وجودياً لا يتعلق بالألم الجسدي أو خسارة متع الحياة ، بل بالفناء الكامل للذات ، و مواجهة التساؤلات مثل : من أكون بعد الموت ؟ و هل لما أفعله الآن أي معنى اذا كانت نهايتي حتمية ؟
و مع ذلك فإن التعايش مع حقيقة الموت لا يعني الاستسلام للخوف ، بل تحويل هذا الإدراك إلى دافع للوعي .
عندما نتصالح مع فكرة أننا سنموت ، نبدأ بالانتباه الحقيقي إلى أننا الآن أحياء . فيصبح الحاضر أكثر امتلاءً ، و اللحظة أكثر وضوحاً .
حقيقة الموت تؤثر على الإحساس بالوقت فلا يبدو الزمن كما هو حين ندرك أن له نهاية . فيصير أكثر كثافة و أكبر قيمة . كل دقيقة نحياها تحت ظل الفناء تأخذ طابعاً خاصاً ، كأنها ومضة علينا أن نحتضنها قبل أن تنطفئ .
القلق الوجودي يجعلنا نحس بالزمن لا كطريق ممل بل كسلسلة فرص ثمينة لا تعوض . فبدلاً من النظر إلى الوقت كعدو يسرق أعمارنا ، نبدأ في رؤيته كصديق يذكرنا بأن نحيا بالكامل ، هنا و الآن .
قيل : كل من مات عاش حياة كاملة لأن كل لحظة كانت احتمال لأن تكون الأخيرة .
هذا الإدراك يعيد توجيه الإنسان إلى المعنى الحقيقي . لأن يترك أثراً ، أن يعيش بصدق و لا ينقاد للحزن ، بل إلى الامتنان لكل لحظة بسيطة و عميقة .
الموت يعيدنا إلى جوهر الحياة . يدفعنا نحو العلاقات الإنسانية الصادقة ، نحو الحب ، نحو الإبداع و تبني القيم السامية . في حضوره الصامت ، تتبلور فكرة أن القيمة ليست في طول الحياة ، بل في عمقها ، و مقدار عطائنا فيها .
الموت لحظة ، لكنه يغير كل لحظة تسبقه . و القلق الوجودي الذي يرافق تأملنا فيه ليس لعنة ، بل فرصة لفهم الحياة بوضوح . إنه يدفعنا إلى أن نحيا و كأن كل شيء مهم ، لأن كل شيء فعلاً مهم حين ندرك أنه لن يدوم .
يقول محمود درويش : ” الموت لا يُوجع الموتى ، الموت يُوجع الأحياء ”
و لعل هذا الألم هو ما يحفزنا على إدراك أن الذي يواجه الموت بلا تزييف ، يصل إلى نوع من التسليم الصامت بحقيقة الوجود . و أن التعايش مع الموت لا يعني فقدان الأمل ، بل استعادته على نحو أصدق و أكثر إنسانية .
اللهم إنَا نسألك حسن الحياة ، و حسن العمل ، و حسن الخاتمة .

أ . لؤي إبراهيم عثمان


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى