خبر وتحليل – حليل عمار العركي – رحيل سفير الاستراتيجية… وعقل السودان الهادئ المتزن في القرن الإفريقي


* بقلوب يعتصرها الحزن، ويملؤها الإيمان بقضاء الله وقدره، أنعي إلى الشعب السوداني وإلى الأمة في المنطقة، رحيل قامة وطنية رفيعة ومعلّم استراتيجي مهاب، الفريق والسفير الهرم الوطني / عثمان السيد فضل السيد ، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء، سخّرها لخدمة السودان وقضاياه المصيرية، خصوصاً في ملفات الأمن والدبلوماسية والعلاقات الإقليمية في واحدة من أعقد مناطق العالم، القرن الإفريقي.
*العقل الاستراتيجي الهادئ المتزن*
* كان الراحل الكبير أشبه بـ”العقل الاستراتيجي الهادئ المتزن” في واحدة من أكثر الجبهات حساسية وتشابكاً وتعقيداً: العلاقات السودانية الإثيوبية. فعلى مدار أكثر من عشرين عامًا قضاها سفيرًا للسودان لدى جمهورية إثيوبيا الفيدرالية، لم يكن مجرد مبعوث دبلوماسي تقليدي، بل مهندسًا دقيقًا لصياغة التوازن في علاقة يتقاطع فيها الأمن والسيادة والمياه والسياسة.
* امتلك الفقيد قدرة نادرة على قراءة الأحداث برويّة، واستباق التحديات بصمت وفعالية، وبناء الجسور في الأوقات التي تتصدع فيها المواقف، فكان بحق أحد أبرز من جسّدوا فلسفة الدولة السودانية في التفاوض والتوازن وحماية المصالح العليا دون ضجيج.
* برحيل الفريق عثمان السيد فضل السيد، طوى السودان صفحة من أنبل صفحاته الدبلوماسية والأمنية والاستراتيجية، وودّع أحد أكثر رجالاته حضوراً وتأثيراً وهدوءاً، ممن خدموا الدولة السودانية بعقل استراتيجي متقد، وضمير وطني يقظ، ومسيرة امتدت لقرابة نصف قرن من العطاء النوعي والدؤوب.
* عمل الفقيد على تمتين أسس الحوار، وبناء جسور الثقة بين الخرطوم وأديس أبابا، وتغليب منطق العقل والمصالح العليا على الانفعالات والتقلبات الإقليمية، وكان شاهدًا فاعلاً على محطات مصيرية في العلاقات الثنائية، بل وكان حاضراً ومؤثراً في عدد من الملفات الإقليمية المرتبطة بالقرن الإفريقي، من بينها الأمن الحدودي، والتكامل الإقليمي، والتوازنات الجيوسياسية في منطقة تمور بالتغيرات والتدخلات الدولية.
* لقد كان السفير الفريق / عثمان السيد أحد العقول السودانية النادرة التي جمعت بين الانضباط العسكري، والرؤية الأمنية، والخبرة الدبلوماسية، والفهم العميق لطبيعة الصراع والتنافس في منطقة القرن الإفريقي، وقد ترك بصمات واضحة على مواقف السودان وتحركاته في هذا الإقليم، بما جعله مرجعاً مهماً لصناع القرار، وللباحثين والمحللين والمتابعين، وأنا أحدهم.
* رحيله لا يعني فقط فقدان رجل دولة من طراز رفيع، بل خسارة إرث من الحكمة والبصيرة والاتزان الوطني، في زمن أحوج ما نكون فيه لمثل هذه القامات التي تفكر وتُقدّر وتحسب النتائج بعقلٍ بارد، وروحٍ ساخنة بحب الوطن.
* أرفع أكف العزاء لأسرة الفقيد، وزملائه وتلامذته وكل من عرفه وتعلم منه، وأرجو أن يُكتب له ما قدّمه من خير في ميزان حسناته، وأن يُلهم الوطن من يسير على دربه.
إنا لله وإنا إليه راجعون
عمار العركي
كاتب صحفي ، محلل سياسي ، وباحث في شؤون القرن الإفريقي
Source link