خبر وتحليل : عمار العركي – أنطاليا… ما وراء الزيارة: قراءة في نتائج الدبلوماسية الرئاسية والوزارية

▪️جاءت مشاركة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ووزير الخارجية السفير د. علي يوسف الشريف، في منتدى أنطاليا الدبلوماسي بتركيا 2025، في توقيت استثنائي من عمر الدولة السودانية، وعلى خلفية معقدة من التحديات الأمنية والسياسية التي يواجهها السودان منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023. غير أن الزيارة، وبما رافقها من لقاءات ثنائية رفيعة المستوى، وبيانات صحفية مدروسة، حملت في طياتها إشارات واضحة على حيوية الدبلوماسية السودانية، وقدرتها على التفاعل مع المحيطين الإقليمي والدولي وفق رؤية متماسكة واستراتيجية.

مسارات اللقاءات… حضور قوي وتفاهم متناغم

▪️توزعت اللقاءات التي أجراها الفريق أول البرهان ما بين رؤساء دول مؤثرة في الإقليم، مثل تركيا وأذربيجان وليبيا وسيراليون، وقيادات من منظمات إقليمية ودولية. أما وزير الخارجية، فقد نشط على الهامش ذاته بلقاءات ثنائية، كان أبرزها اللقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، والذي جاء امتداداً للقاء سابق في موسكو.
هذه الثنائية في التحرك—الدبلوماسية الرئاسية بقيادة البرهان، والوزارية بقيادة د. علي الشريف—كشفت عن تناغم واضح وتفاهم دقيق بين رأس الدولة والجهاز التنفيذي المسؤول عن العلاقات الخارجية، ما أضفى على التحركات طابعاً مؤسسياً واستراتيجياً، وقدم صورة متماسكة عن الدولة السودانية في هذا المنبر الدولي المهم.

اختراقات حقيقية ونتائج ملموسة

▪️ما يميز هذه الزيارة، وما يرفعها فوق مستوى المجاملات البروتوكولية، هو أنها أسفرت عن مخرجات عملية يمكن البناء عليها، أهمها:
* تأكيد الدعم التركي الرسمي للسودان، حيث عبّر الرئيس رجب طيب أردوغان عن التزام بلاده بمواصلة دعمها السياسي والاقتصادي للسودان، خاصة في جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.
* إعادة إحياء العلاقات مع روسيا، عبر اللقاء المهم بين د. علي الشريف وسيرجي لافروف، والذي أسفر عن التزام روسي بدعم السودان في مجلس الأمن، واستعداد لمضاعفة المنح الدراسية، ومواصلة التنسيق السياسي.
* توسيع مظلة الدعم الدولي، من خلال سلسلة لقاءات البرهان التي ركزت على شرح الأوضاع الداخلية، والربط بين الانتصارات العسكرية الأخيرة ومساعي السلام والاستقرار، ما يعكس خطاباً متماسكاً تتكامل فيه الرسالة الرئاسية مع الخطاب الوزاري.
* نجاح إعلامي ودبلوماسي مصاحب، حيث عقد الوزير مؤتمراً صحفياً على هامش المنتدى، قدّم فيه تنويراً شاملاً حول تطورات الوضع في السودان، في رسالة موجهة للرأي العام الإقليمي والدولي على السواء.

الوزير د. علي الشريف… أداء احترافي ورسائل فاعلة

▪️الوزير د. علي يوسف الشريف ظهر في هذه الزيارة بثقل سياسي واحتراف دبلوماسي لافت، فمقابلته مع لافروف لم تكن لقاء مجاملة، بل لقاء متابعة لتفاهمات موسكو، وتأكيد لمسار سياسي واقتصادي جديد في العلاقات الثنائية. كما أن إشاراته الذكية حول الانتصارات الميدانية للقوات المسلحة، وربطها بمساعي الدولة لتحقيق السلام، عكست قدرة خطابية متقدمة، تمزج بين الواقع العسكري والسياسي والدبلوماسي.

خلاصة القول ومنتهاه

▪️لقد شكّلت زيارة أنطاليا، بكل تحركاتها ومخرجاتها، نموذجاً إيجابياً لما يمكن أن تحققه الدبلوماسية الرئاسية والوزارية عندما تعمل في تناغم تام وبتكامل أدوار واضح. واستطاعت السودان، من خلال هذه المشاركة النوعية، أن تُعيد التأكيد على موقعها في الخارطة الدولية، وأن تبعث برسائل مباشرة مفادها أن الدولة، رغم الحرب، ما تزال تمتلك قرارها، وتدير معركتها السياسية والإعلامية بنفس القوة التي تدير بها معركتها العسكرية.
إن ما حققته هذه الزيارة من دعم سياسي، وتعزيز لشبكة العلاقات الثنائية، وتقديم خطاب موحد ومقنع، يجعل منها واحدة من أهم المحطات الدبلوماسية بعد اندلاع الحرب، ويؤسس لمرحلة جديدة يمكن أن تُبنى عليها تحركات أوسع وأكثر فاعلية في قادم الأيام.