قبل المغيب – دكتور عبد الملك النعيم – محكمة العدل..جلسة تاريخية


كانت جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي صباح الخميس العاشر من ابريل جلسة تاريخية وهامة وغير مسبوقة من حيث التوقيت او موضوع الشكوي او أطرافها…فلكل من ذلك دلالات واشارات هامة…الجلسة خصصت لشكوي السودان المقدمة في 15 مارس الماضي ضد دولة الأمارات العربية المتحدة بشأن جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبت في حق عرقية المساليت بولاية دارفور والتي بدأت بتصفية والي احدي ولايات دارفور الخمس لسبب عنصري والتمثيل بجثته وتصويرها بابشع مايكون تجاوزا للقانون الدولي والانساني وتبع ذلك قتل المئات من أبناء القبيلة بل ودفنهم أحياء…كل تلك الجرائم وغيرها مماحدث لمواطنين أبرياء في قري الجزيرة والخرطوم ودارفور نفسها وضرب المستشفيات ومعسكرات اللاجئين في زمزم وغيرها تم بدعم أماراتي بدءا بالاسلحة والمسيرات والدعم المادي واللوجستي وكل ما مكن المليشيات المتمردة والمرتزقة من فعله في حق المواطن السوداني قتلا وتشريدا واغتصابا لحرائره واحتلالا منازلة وسلبا لكل ممتلكاته..
جرائم المليشيا المتمردة ما كان لها أن تتم بهذه البشاعة والصلف لولا الدعم الاماراتي الكامل لها…لم يكن الاتهام للامارات جزافا وانما بتقديم ادلة كاملة وموثقة صورة وصوتا وإلا لما قبلت المحكمة دعوي السودان…
كانت الجلسة مفتاحية قدمت فيها وزارة العدل حيثياتها وقدم القاضي الياباني لمحكمة العدل تقريره وكلها جاءت في دعم الاتهام وتاكيده مما افقد دولة الامارات صوابها وذلك اولا بأن كان اعتراضها الوحيد علي احقية المحكمة للنظر في هذه القضية استنادا علي المادة 9 المعنية بذلك الامر وتركها وتغاضيها تماما للحيثيات والادلة التي قدمتها حكومة السودان وهذا بالطبع سيضعف كثيرا من موقف الامارات…وقد ارتبكت الامارات عندما قدمت دفاعها بوثيقتين مختلفتين في الترجمة والمعني للدفاع عن رؤيتها الشيىء الذي جعل المحكمة أن تطلب من الامارات ازالة هذا اللبس وتحديد ماذا تريد ان تقول…
والارتباك الثاني لدولة الامارات بسبب قوة حيثيات اتهام السودان لها ظهر واضحا في كلمة مندوبة الامارات لدي المحكمة السفيرة أميرة حيث تجاوزت الاعراف الدبلوماسية وتحولت الي ناشطة سياسية توزع في الاتهامات للجيش السوداني بعبارات ركيكة ولغة يعف اللسان عن استخدامها في مثل هذه القضايا التي تتطلب الدقة في التعبير واختيار الالفاظ والاحتكام الي القانون والاسلوب الدبلوماسي الذي يقنع الآخر للاستماع إليها.. ظلت تردد أن الجيش هو المعتدي ولم تذكر المليشيا بسوء وبدات تنفي الاتهامات عن دولتها دون ان تقدم دليلا واحدا لبراءة دولتها…
كل ذلك يشير إلي أن دولة الأمارات قد تفاجأت بوقوفها اليوم امام العالم في قفض الاتهام بارتكاب جرائم ابادة جماعية في حق دولة تربطها بها رابطة الدين والعرق فكيف بها مع الآخرين ممن تأذوا بممارساتها وتدخلها السافر في شؤونهم سواء اكان ذلك في اليمن او الصومال او اثيوبيا وجيبوتي او حتي مع السعودية وتلك قصص اخري تحكي عن تجاوز الامارات لكل الأعراف…
صحيح أن محكمة العدل الدولية لاتملك ادوات تنفيذ القرار الذي سوف تصدره وصحيح ان الامر يمكن ان يستمر لفترة من الزمن وصحيح ان الامارات يمكن ان تستخدم اساليبها الملتوية لتخفيف القرار كما فعلت قبل ذلك بشراء ذمم مفوض الاتحاد الافريقي ورئيس تشاد ورئيس كينيا وغيرهم من داعمي التمرد سياسيا او عسكريا دولا ام احزاب او نشطاء سياسيين …ولكن الصحيح ايضا ان بقاء القضية علي طاولة المحكمة وبقاء اتهام الامارات مستمرا ومعرفة الرأي العام العالمي لجرائم الامارات بالادلة والوثائق سيضعف كثيرا من موقفها ومكانتها وهذا في حد ذاته يعد انتصارا للسودان…وسيجعل المجتمع الدولي يمارس ضغطا عليها للتوقف عن دعم المليشيا المتمردة بل المطالبة برد حق المواطن السوداني كاملا…
في تقديري ان ماحدث في هذه الجلسة يعد مكسبا للسودان وحافزا له بأن يمضي في اتهامه الي نهاياته مهما يكلفه ذلك من جهد او مال ولا يجب ان يستجيب لأي ضغوط او وساطات بدأت تبحث عنها الامارات لتخرجها من ورطتها…
والامر الثاني هو علي حكومة السودان ان تستفيد من أجواء هذا الانتصار علي مستوي الميدان في السودان وعلي مستوي المحكمة في لاهاي بأن تتقدم بشكوي مماثلة ضد الامارات لمحكمة الجنايات الدولية لأن هذه الأخيرة تملك ادوات تنفيذ قراراتها عبر احالتها لمجلس الامن والذي سبق ان تقدم له السودان بشكوي رسمية حاولت بريطانيا كثيرا تعطليها عندما كانت حاملة القلم داخل المجلس بحجج واهية..الان سيكون اتجاه السودان لمحكمة الجنايات داعما حقيقيا لشكواه امام محكمة لاهاي…ليت حكومة السودان تفعلها لتاخذ حقها كاملا من الدولة المعتدية وحلفاؤها…
Source link