التاريخ يستعيد ألقه من البوابة الشرقية لمجمع رئاسة الجمهورية


كتب: دكتور عبدالله إدريس عبدالله
” لمن ظنّوا أن الأمر مجرد مزحة!” بهذه الجملة والتي تحمل قدراً كبيراً من التهكم ابتدر الناطق باسم الحكومة الأستاذ خالد الإعيسر وزير الثقافة والإعلام تدوينته على صفحته بالفيسبوك ليعلن عن تحرير القوات المسلحة لمجمع رئاسة الجمهورية بالعاصمة القومية فجر يوم الجمعة 21 مارس 2025م، حيث استمرت هذه المعركة لمدة أربعة أيام تكاد تكون متواصلة اُستخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة حتى تكللت بالنصر المبرم للقوات المسلحة السودانية، معلنةً عن ميلاد فجرٍ جديد.
وقال الإعيسر :(في ملاحم الكرامة الوطنية، لطالما امتزجت دماء الشهداء بتراب السودان الطاهر، واختلط نَفَس الأجداد المليء بالعنفوان والفخر بروح الأجيال الجديدة التي تواصل ذات المسيرة.
وأضاف وزير الثقافة والإعلام :(أحدثكم عن أبطال جيشنا الباسل، عن رجال لا تنكسر إرادتهم ولا تهتز عزائمهم، ولا تنبض قلوبهم إلا بحب الوطن والذود عن عزته وكبريائه). وخاطب مليشيات آل دقلو الإرهابية عندما قال :(أما الجنجويد والمرتزقة ومن معهم من القوى الداخلية العميلة والخارجية الواهمة، فقد ظنوا أن الأمر ليس سوى مجرد مزحة، لكنهم لم يدركوا أن معركة الكرامة السودانية ليست مجرد مواجهة عسكرية كسابقاتها المدونة في كتب التاريخ، بل هي رسالة خالدة للأجيال، مفادها أن الكرامة تُنتزع بثبات الأبطال).
وشدد الناطق الرسمي باسم الحكومة على أن الحقيقة التي لا تحتمل التأويل هي أن كل خطوة خطاها جنودنا البواسل منذ صباح 15 أبريل 2023م وحتى اليوم، وصولاً إلى القصر برمزيته السياسية والتاريخية، قد سطّرت مجداً جديداً يُضاف إلى سجل أمة لا تعرف إلا العزة والمجد. وبذكر القصر، يستعيد التاريخ ألقه، لينعش ذاكرة الوطن والأجيال.
ماذا يعني تحرير مجمع رئاسة الجمهورية ؟
طرحنا هذا السؤال على الخبير الاستراتيجي اللواء معاش محمود عبدالمنعم عطا المنان الذي أجاب بأن تحرير القصر يُعد فتحاً كبيراً ونقطة تحول جوهرية في معركة الكرامة وذلك لما يحمله القصر الجمهوري من دلالات السيادة، وهو دَفعة معنوية عالية للجيش، وبالمقابل إضعاف معنويات العدو الذي كان يعتقد باستحالة دخول الجيش للقصر الجمهوري، كما جاء على لسان المتمرد حميدتي.
كما بين أنه من الناحية التعبوية يعد استعادة مجمع رئاسة الجمهورية أمراً مهماً لأنه سيسهل التواصل بين قوات بحري والخرطوم وأم درمان من خلال استغلال جسر المك نمر وجسر النيل الأبيض.
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن هلاك قوات التمرد وانسحابها من مجمع رئاسة الجمهورية سيسهلان من عملية تطهير بقية الجيوب في جنوب الخرطوم لأن القوات المتَمردة التي كانت بالقصر هي من قوات النخبة؛ فهلاكها وانسحابها نحو منطقة المقرن سيدفعان ببقية الجيوب للانسحاب. وأضاف أن استعادة القصر الجمهوري لها ما بعدها في معركة تحرير العاصمة التي نتوقع أن تكون قريباً جداً.
وقال اللواء معاش محمود عبدالمنعم :(إن قوات المتمردين التي كانت بمجمع رئاسة الجمهورية تعتبر من قوات النخبة ومعظم عناصرها من الماهرية، إضافة إلى أعداد من المرتزقة، وكانت قيادة التمرد حريصة على التمسك بالقصر لما يحمله من دلالات السيطرة والسيادة على البلاد، لذلك كان التسليح نوعياً وبأعداد كبيرة، إضافة لذلك فقد نشر العدو القناصة علي البنايات العالية المطلة علي القصر لحرمان قواتنا من الاقترب من القصر، لكن بعون الله ثم بعزم رجال القوات المسلحة تم النصر والتحرير).
وكان بيان صادر من القيادة العامة للقوات المسلحة على لسان العميد ركن د. نبيل عبدالله الناطق الرسمي باسم الجيش قد أعلن عن تحرير مجمع رئاسة الجمهورية، ووصف تلك المعركة بالملحمة البطولية الخالدة، مشدداً على ان القوات المسلحة تمكنت من سحق شراذم مليشيا آل دقلو الإرهابية بمناطق وسط الخرطوم والسوق العربي ومباني القصر الجمهوري (رمز سيادة وكرامة الأمة السودانية) والوزارات.
كما أعلن الناطق الرسمي باسم الجيش في بيانه أن الجيش دمر أفراد ومعدات العدو تدميراً كاملاً واستولى على كميات كبيرة من معداته وأسلحته بالمناطق المذكورة.
وماذا بعد تحرير المجمع ؟
وكان رد اللواء معاش محمود عبدالمنعم على ذلك السوال بأن تحرير القصر ثم وسط الخرطوم يعني تلقائياً تحرك الجيش جنوباً وبالتالي استرداد مستودعات الشجرة ومجمع اليرموك للصناعات الدفاعية، وبعد ذلك استعادة السيطرة على معسكر شرطة الاحتياطي المركزي ومعسكر طيبة وكذلك التوغل جنوبا عبر الضفة الشرقية للنيل الأبيض لإحكام السيطرة على جسر خزان جبل الأولياء آخر الجسور التي تتحرك بها المليشيات الإرهابية.
كما اعتبر أن محاولات الانسحاب التي تقوم بها المليشيات من اجل إعادة التموضع وتقليل الخسائر التي تحدث لها على مدار اليوم أشبه بالانتحار، وذلك لإحكام الجيش سيطرته على كل المنافذ وسط الخرطوم.
يذكر أن نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار كان قد أعلن في وقت سابق أن نهاية مليشيات آل دقلو الارهابية سوف تكون خلال شهر أبريل القادم (لتصادف الذكرى الثانية لتمرد مليشيا آل دقلو)، وهذا ما أكده قائد سلاح المدرعات اللواء ركن د. نصر الدين عبد الفتاح لكن بتعبير مختلف عندما قال :(إن القوات المسلحة بدأت المرحلة الأخيرة من القضاء على قوات الدعم السريع) قبل أيام من تحرير المجمع الرئاسي.
البيلاوي وجنوده يبلون بلاءً حسناً
بعد معارك عنيفة ومتواصلة لمدة أربعة أيام أيام استطاع خلالها الجيش السوداني تدمير قوات الدعم السريع المحلولة في أنحاء القصر، ومن ثم الدخول إليه لأول مرة منذ اندلاع الحرب، وتحديداً منذ مساء الرابع عشر من أبريل 2023م فقد قامت مليشيات آل دقلو المكلفة بحراسة القصر بالغدر بقوات الحرس الجمهوري المتواجدة في القصر واعتقالها ومن ثم احتلال القصر منذ ذلك الوقت.
وقد كان قائد السيطرة على متحركات الخرطوم بالجيش السوداني اللواء محمد عبد الرحمن البيلاوي من أوائل الداخلين القصر الجمهوري رفقة عناصر الجيش من البوابة الشرقية، فيما انسحبت قوات المليشيات المتبقية نحو منطقة السوق العربي وسط الخرطوم والمقرن حيث يطاردها الجيش السوداني وهي منسحبة تجرر أذيال الخبية والندامة جزاء ما اقترفت يداه.
وقد اعتبر البيلاوي أن معركة تحرير مجمع الرئاسة لحظة تاريخية، لافتاً إلى أنهم يلاحقون القوات المنسحبة وهي منهارة نفسياً ومعنوياً وقبل ذلك منهارة عسكرياً. كما بشر بتحرير مطار الخرطوم الدولي حيث قال: (مطار الخرطوم سيعود للعمل قريباً)، كما قدم الدعوة لسكان بحري وشرق النيل وأم درمان للعودة إلى ديارهم.
وأشار قائد عمليات الخرطوم إلى أنهم وضعوا “مهلة محدودة أمام قوات الدعم السريع للاستسلام”، مشيرا إلى سيطرة الجيش على كل الوزارات السيادية. وكان الجيش مسبقاً قد تحكم في كل الطرق المؤدية للقصر بعد غلقها بالمشاه وتغطيتها بالمسيّرات بدءاً من غرب الخرطوم حيث المنطقة الصناعية وشرقاً حيث أبراج النيلين وجنوباً حتى مقرن النيلين وشمالاً (مرحباً مدينة بحري).
بعد ذلك تم شن هجمات جوية بالطيران المسيّر والمدفعية على عناصر هذه القوات التي حاولت الهروب من القصر الرئاسي عبر وسط الخرطوم مروراً بجسر الحرية مما أدى إلى هلاك تلك القوات وتصاعد ألسنة الدخان من محيط القصر وبعض الأبنية المحيطة به.
تاريخ مجمع رئاسة الجمهورية:
يقع مجمع القصر الجمهوري على الضفة الجنوبية للنيل الأزرق ويحده من الشمال شارع النيل ومن الجنوب شارع الجامعة ومن الشرق شارع أبوسن ومن الغرب شارع مهيرة. ومنذ تخطيط مدينة الخرطوم وُضع القصر الجمهورى ليكون نقطة تقسيم مدينة الخرطوم إلى قسمين وقامت حوله شرقاً وغرباً الوزارات والمصالح والدواوين الحكومية وجنوبه المؤسسات التجارية. وتبلغ المساحة الكلية لمجمع القصر الجمهوري (150) ألف متر مربع ويضم كلاًّ من:
مبنى القصر الرئاسي والذي يقع فى مساحة قدرها (5.300) متر مربع. وتذكر وثائق المجمع الرئاسي أنه قد اُبْرِم اتفاقٌ على إنشاء القصر الرئاسي إبان زيارة الرئيس الصيني خوجين تاو للسودان في عام 2007م، وبدأ العمل في مارس 2011م. وافتتح رسمياً في ليلة 26 يناير 2015م، وذلك لظهور الحاجة لإنشاء مبنى لقصر رئاسي يلبي احتياجات رئاسة الجمهورية ومهامها ووظائفها ويواكب العصر في ظل التطور التقني.
كما يضم مبنى القصر الجمهوري والذي يقع فى مساحة قدرها (1.926) متراً مربعاً والذي يعتبر رمز الدولة منذ أن نال السودان استقلاله عن بريطانيا ومصر فى الأول من يناير سنة 1956م، بل طوال فترة الاستعمار التركي ومن بعده الاستعمار البريطاني كان القصر الجمهوري رمز الدولة ومنه تُدار. وعند استقلال البلاد رُفع علم السودان فوق سارية مبنى القصر، واستمر كمقر رسمي لرئاسة جمهورية السودان ورمز السيادة الوطنية. وأصبح يعرف باسم القصر الجمهوري.
ايضاً هناك مباني وزارة شؤون رئاسة الجمهورية – الأمانة العامة، والتي تقع في الجزء الشرقي لمجمع القصر الجمهوري. بجانب قيادة لواء الحرس الجمهوري، ومتحف متخصص تُعرض فيه مقتنيات القصر ويُوثق للمراحل التاريخية التي مر بها مجمع القصر الرئاسي إضافة إلى ذلك هناك مكتبة ومسجد، فيما تنتشر المسطحات الخضراء والحدائق في المجمع.
Source link