أخبار العالمأخبار محلية

فيما أرى – عادل الباز – ماذا يعني تحرير القصر؟

1
هو المكان الذي قُتل فيه غردون باشا في 26 يناير 1885، ومنه بدأ غروب شمس الإمبراطورية العظمى عن بلادنا. ذات الموقع الذي رُفع فيه علم استقلال السودان، والذي تصارعنا فيه وعليه منذ استقلالنا عبر كل ثوراتنا وانقلاباتنا المتعددة، وهو الوجهة التي نقصدها كلما ضاقت بنا الحيل ليجد لنا حلًا.
2
هو البلاط الذي تتشكل فيه حكوماتنا وتسقط على عتباته. باختصار، هو ذاكرتنا السياسية بكل عظمتها ومخازيها وبؤسها لمدة امتدت لقرنين (جرى تشييده عام 1882) من الزمان، ولهذا ظل هذا القصر في وجداننا وترًا منفردًا.
3
هذا القصر لطالما صبر على عبثنا السياسي، نحن طلابًا كلما ضاقت بنا السبل توجهنا إلى محيطه وعلت حناجرنا بالهتاف: “إلى القصر حتى النصر”. لم نحقق يومًا نصرًا، وكنا نعود كل مرة أدراجنا إلى ساحات قهوة النشاط نحكي عن بطولاتنا في مقاتلة “البمبان”.
رفع في ساحته المحجوب والأزهري راية استقلالنا عام 1956، وفيه أعلن عبود استقالته، وكذلك سر الختم الخليفة وحمدوك.
هو المكان الذي اختبأ فيه عبد الخالق محجوب أثناء انقلاب هاشم العطا عام 1971، ومن فوق حوائطه قفز النميري ليعود مجددًا إلى السلطة.
في دهاليزه، أعلن البشير استلامه للسلطة، وفي ساحته الخارجية، بعد ثلاثين عامًا، رفض التنحي عنها!
هو الموقع الذي وُقعت فيه الوثيقة الدستورية عام 2019، وللمفارقة هو نفس “الحِتة” التي عصف فيها الرئيس البرهان بذات الوثيقة الدستورية إبّان حركته التصحيحية عام 2021.
بين حوائطه، أدى حمدوك القسم رئيسًا لوزراء الثورة عام 2019، وفيه أدى ذات حمدوك القسم رئيسًا لوزراء ما سماه لاحقًا “انقلاب 25 أكتوبر 2021”!!
عمومًا، هو الجغرافيا التي يُطبخ فيها كل شيء، وتُحاك فيها المؤامرات والدسائس، وتُتخذ فيها القرارات الكبرى.
أخيرًا، هو القصر الذي فقدناه، ليس بالحرب ولا بالقتال، ولا بهزيمتنا من الأوباش، إنما بالتآمر الرخيص من قوات كانت مؤتمَنة عليه لأنها كانت جزءًا من الدولة.
4
رغم ذلك، ظل هو رمز عزّتنا وبهجتنا، ومصدر سرورنا. لم نره كئيبًا كما رأيناه يوم تآمر عليه الأوباش واستولوا عليه ودمّروه. كان دائمًا مزهرًا وجميلًا، نائمًا على ضفة الأزرق بلا قلق.
5
اليوم عاد القصر إلى حضن وطنه عودًا حميدًا مستطابًا. عودته لا تعني فقط استرداد بعض من ذاكرتنا وتاريخنا، بل تعني أن الوطن يتعافى الآن ويحصد أجمل ثمار تضحياته في موقعة الكرامة.
6
عودته تؤكد أن معركة هامة وحاسمة في مسيرة تحرير الوطن قد تم خوضها وكسبها بتضحيات كبيرة تستحقها رحم الله شهداء معارك القصر وكل شهدائنا:
“كل جرح في حنايانا يهون
حين يغدو ملهماً يوحي لهم
جرحنا دامٍ ونحن الصامتون
حزننا جمٌ ونحن الصابرون
فابطشي ما شئتِ فينا يا منون.”
7
وتعني عودته أن معارك أخرى أصغر وأقل أهمية لا تزال تنتظرنا في العاصمة، بعض الجيوب في المقرن وبعض الجيوب في شرق الخرطوم، إلى معركة المدينة الرياضية وأخرى في جبل أولياء، إضافة إلى مواقع في غرب وجنوب أم درمان. سينتهي أمر الميليشيا التي لن تذوق عافية بعد القصر، ذلك الذي قال البُعاتي إنه لن يخرج منه، وفعلاً لم يخرج جنوده منه إلا جثثًا.
تحرر القصر فزغردت المشتركة في الصحارى مبتهجة بانتصاراتها في المالحة وتحرير القصر، وازدادت الفاشر ودارفور كلها ثقة. واطمئنوا بأن زحف المتحركات جميعها قريبًا سيتجه لتحرير دارفور، ونرجو ألا تتوقف ولا تنجم المتحركات إلا في أنجمينا!!
8
تحرير القصر يعني عودة الروح للعاصمة، وبذا يمكن أن تعود كل الدواوين الحكومية إلى مقارها وتبدأ العمل بعد وقت قصير. وذلك يعني أن من يتحدثون عن حكومة بورتسودان لن يجدوا هراءً آخر يتكئون عليه، وأن من يحلمون بحكومة “مزازية” تشكل تهديدًا لحكومة القصر الشرعية التي يدعمها الشعب إنما يدغدغون أحلامهم وأوهامهم ويدهنونها بالأكاذيب. إن الحكومة الحقة القادمة ستُعلن بإذن الله من داخل القصر الجمهوري المستعاد بعد استكمال تحرير العاصمة.
9
عودة الروح إلى القصر تعني عودة الروح إلى جسد السودان، ومنه ستطل “آخر شهرزاد”، وتحل في “البلد الأمين”،
“وخريفه يسخو وتمتلئ الضروع
نواعم الأيام من ذهبت تُبادر الآن بالرجوع.”


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى